الموسوعة الخبرية الاولى في العراق تأسست عام 2000 م

العراق والمحاكم الجنائية الدولية
أضيف بواسـطة
النـص : تمهيد دلنا التاريخ على ان اول محكمة جنائية دولية سجلها التاريخ القدم هي المحاكمة التي اجراها. بختنصر ملك بابل ضد سيديزياس ملك يودا المهزوم كذلك هناك تطبيقات ترجع إلى التأريخ المصري القديم بشأن الإبعاد سنة 1286 قبل الميلاد وفي التاريخ الحديث عقدت محكمة دولية شاركت سويسرا في انشائها سنة1474 للنظر في قضية هاكنباخ الذي كان ارشيدوق النمسا في ذلك الوقت والذي تعرض لضائقة مالية أضطر على أثرها الى التنازل عن ممتلكاته الواقعة في إقليم بوركوكن، وعندها بدأ في شن الهجمات والغارات الوحشية على الدول والمدن المجاورة التي إستسلمت له مؤقتاً، ثم قامت كل من فرنسا والنمسا وإتحاد المدن السويسرية وأُمراء نهر الراين الاعلى بإنشاء حلف فيما بينهم وتمكنوا من القبض على هاكنباخ وقُدم للمحاكمة أمام محكمة عليا غير عادية إشترك فيها بعض قضاة سويسرا والتي إنتهت بعد مداولات عديدة الى الحكم عليه بالإعدام ولعل أول من نادى بإنشاء وتنظيم قضاء دولي جنائي الفقيه موينير، إذ إقترح سنة 1872 تنظيم قضاء دولي لمعاقبة الجرائم التي ترتكب ضد قانون الشعوب , ونادى بإنشاء محكمة تتألف من خمسة قضاة، إثنان منهم يعينان بمعرفة المتحاربين ويعين الثلاثة الباقون من قبل الدول المحايدة، ولكن هذا الإقتراح لم يحظ بقبول الدول التي كانت ترى حينها إن القضاء الوطني هو المختص بنظر هذه الجرائم، قدم موينير إقتراحه السابق أمام معهد القانون الدولي، وطالب بأن تكون المحكمة الدولية المقترحة تختص بالتحقيق والإستجواب إلى جانب المحاكمة، ومع ذلك لم تلق نجاحاً يومئذ ولكن كان لها صدى على المستوى الدولي. وقد تطور القضاء الجنائي الدولي مع مرور الزمن وتتابع الاحداث ليصل الى مرحلة انشاء محكمة جنائية دولية دائمة ومن خلال مخاض عسير جعل من ولاية تلك المحكمة بعد مرور خمسة عشر عام على توقيع الاتفاقية المنشئة لها محل جدل وتفسيرات وخصوصا بالنسبة للدول التي لم توقع على تلك الاتفاقية . المبحث الاول : تطور القضاء الدولي الجنائي قبل انشاء المحكمة الجنائية الدولية في نهاية الحرب العالمية الأولى أنشأ الحلفاء المنتصرون أول لجنة تحقيق دولية وذلك بعد أن دعت القوى المتحالفة إلى مؤتمر السلام التمهيدي في باريس عام 1919 خلال المؤتمر تفاوض ممثلوا الحلفاء حول موضوع استسلام ألمانيا ومعاهدة السلام التي تم كتابة شروطها كما تداولوا مناقشات حول محاكمة قيصر ألمانيا ويلهلم الثاني وغيره من مجرمي الحرب الألمان والمسئولين الأتراك عن جرائمهم ضد الإنسانية. وفي ختام المؤتمر اتفق ممثلوا الحلفاء على شروط معاهدة السلام بين الحلفاء والقوى المتحالفة وألمانيا. وتم إبرامها في 12 يونيو 1919 وجاء في إحدى نصوص المعاهدة مادة تقضي بإنشاء محكمة جنائية خاصة لمحاكمة قيصر ألمانيا ويلهلم الثاني عن دوره في الحرب ، وجاء في المواد التي تليها محاكمة ضباط الجيش الألماني المتهمين بإنتهاكهم لأعراف وقوانين الحرب . وقد أطلق على لجنة الحكومة الرسمية التي أنشأها المؤتمر التمهيدي لجنة تحديد مسئوليات مبتدئي الحرب وكل من خالف أعرافها. انتهت اللجنة من إعداد تقريرها وقامت بتقديم قائمة خاصة تحمل أسماء 295 مجرم حرب على أن تتم محاكمتهم أمام محاكم الحلفاء إلا أن ما جاء في المادتين 112 و 119 لم يكتب لها النجاح وذلك لما جرى من إحداث فراغ بين مرحلتي التحقيق والمحاكمة. ولم يتم تطبيق المواد المهمة 116 و 112 و 119 على القيصر الألماني حيث تقدم بطلب اللجوء إلى هولندا التي رفضت تسليمه إلى الحلفاء بحلول عام 1921 طلب الحلفاء من ألمانيا بمحاكمة عدد محدود من مجرمي الحرب أمام المحكمة الألمانية العليا في ليبزج بدلاً من إنشاء محاكم خاصة بالحلفاء طبقاً لنص المادة 112 من معاهدة فرساي. نتيجة للجرائم الفظيعة التي ارتكبت في الحرب العالمية الثانية برزت الحاجة إلى محاكمات دولية. وفي العام 1942 قامت القوى المتحالفة بقصر سانت جيمس بالتوقيع على إتفاقية إنشاء لجنة الأمم المتحدة لجرائم الحرب ، والتي كانت أول خطوة لإنشاء المحكمة العسكرية في نورمبيرج. ولقد كان لهذه اللجنة تأثير ودعم سياسي محدود مما أوحى إلى مستقبل غير مؤكد لتلك الحكومات المبعده. لقد شهد التاريخ تشكيل خمس لجان تحقيق دولية وأربع محاكم دولية خاصة وثلاث محاكمات دولية رسمية منذ عام 1919 وهذه اللجان هي: 1 لجنة تحديد مسئوليات مبتدئي الحرب وتنفيذ العقوبات لجنة 1919. 2 لجنة الأمم المتحدة لجرائم الحرب 1943. 3 لجنة الشرق الأقصى 1946. 4 لجنة الخبراء المشكلة بناء على قرار مجلس الأمن رقم 780 للتحقيق في جرائم الحرب وانتهاكات القانون الإنساني في يوغوسلافيا السابقة 1992 لجنة الخبراء المعنية بيوغوسلافيا 1992. 5 لجنة الخبراء المشكلة وفقاً لقرار مجلس الأمن رقم 935 للتحقيق في الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الانساني التي ترتكب على أرض دولة رواندا 1994 والتي عرفت بعد ذلك بلجنة الخبراء المعنية بدولة رواندا 1994. والمحاكم الدولية الخاصة الأربعة شكلت على حسب الترتيب الزمن الآتي: 1 المحكمة العسكرية الدولية لمحاكمة كبار مجرمي الحرب على الساحة الأوروبية 1945. 2 المحكمة العسكرية الدولية لمحاكمة كبار مجرمي الحرب في الشرق الأقصى 1946. 3 المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة 1993. 4 المحكمة الجنائية الدولية لرواندا 1994 والمحاكم الدولية الرسمية التي جاءت بعد تطورات المحاكمة السابقة هي: 1 المحاكمات التي أجرتها المحكمة العليا الألمانية 1921 – 1923 بناء على الطلبات المقدمة من الدول المتحالفة، استناداً إلى معاهدة فرساي محاكمات ليبزج. 2 المحاكمات التي أجراها الحلفاء الأربعة الكبار على الساحة الأوروبية 19461955 بموجب قانون مجلس الرقابة رقم 10 control Council Law. 3 المحاكمات العسكرية التي أجرتها الدول المتحالفة في الشرق الاقصى بناء على توجيهات لجنة الشرق الأقصى 19461951. هناك نوع من المحاكم يطلق عليه اسم المحاكم المختلطة المحاكم الداخلية الدولية وتختص هذه المحاكم في النظر في الجرائم الجسيمة، والمخالفات للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني وقانون الصراعات المسلحة، وهي محاكم تابعة لقضاء الدولة التي على أرضها تم ارتكاب الجريمة، ويتم تأسيسها بمساعدة الأمم المتحدة، وتضم قضاة يتم تسمية قسم منهم من قبل الأمم المتحدة.وجاءت هذه المحاكم رداً على الإنتقادات الموجهة إلى محكمتي يوغسلافيا السابقة ورواندا، وقد جمعت بين نظام القضاء الوطني الداخلي والأنظمة التي تضعها الأمم المتحدة. ويرى البعض إن المحاكم الداخلية الدولية أقل تكاليف من المحاكم الدولية وأكثر فعالية في بناء النظام القضائي الوطني، وأقرب إلى الضحايا من المحاكم الدولية التي يصعب الوصول إليها، بينما يرى البعض إنها قد تجمع بين الصفات السيئة للنظامين الدولي والوطني ومن هذه المحاكم المختلطة محكمة كمبوديا وهدفها النظر والحكم في الجرائم التي أُرتكبت مابين 19761979 وهي جرائم القتل الجماعي وجرائم ضد الإنسانية وجرائم يتم تحديدها وتعريفها بموجب قانون. هناك أيضاً محكمة تيمور الشرقية التي تم تشكيلها بموجب قرار من مجلس الأمن للنظر والحكم في الجرائم التي أُرتكبت في تيمور وهي جرائم القتل الجماعي، وجرائم ضد الإنسانية، وجرائم حرب، وجرائم التعذيب والإعتداءات الجنسية. من المحاكم الداخلية الدولية محكمة سيراليون والتي تم تكوينها بدعم من مجلس الأمن الدولي إستجابةً لطلب تقدمت به حكومة سيراليون للنظر في جرائم الحرب التي دارت في سيراليون وقد تم تحديد فترة عملها بثلاث سنوات وقد وجهت في هذه المحكمة التهم إلى كبار مسؤولي النظام بما فيهم رئيس ليبيريا السابق شارلس تايلور لدوره في إشعال فتيل الحرب الأهلية في بلاده وفي سيراليون وارتكاب الجرائم والتحريض عليها، وقد أصدرت المحكمة أمر القبض والإعتقال بحق تايلور ورغم إجبار تايلور على الإستقالة وطرده من قبل الحكومة الجديدة ومغادرته البلاد دون إعتقاله، ورفض كل من غانا ونيجيريا تسليمه للمحكمة، إلا ان ذلك يعتبر سابقة مهمة بتوجيه التهم وصدور أمر الإعتقال بحق رئيس دولة بواسطة محكمة داخلية دولية، وفي هذا تأكيد لرفع الحصانة عن أي منصب قيادي في أي دولة في حال ارتكاب جرائم دولية حتى ولو كان ذلك المنصب رئاسة الدولة نفسها. ومن المحاكم المختلطة الأخرى محكمة كوسوفو والتي تم تشكيلها بقرار من مجلس الأمن بعد حضور دولي في كوسوفو، هدفه بناء جهاز قضائي مستقل ومن ثم محاكمة المتهمين بارتكاب جرائم ومخالفات جسيمة، والتي تنحدر أصولهم من صربيا، وعلى هذا الأساس تم تسمية قضاة دوليين لتأسيس المحكمة .ومن المحاكم المختلطة أو الداخلية الدولية الهامة هي المحكمة الدولية في لبنان الخاصة بالتحقيق بإغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري . المبحث الثاني : المحكمة الجنائية الدولية المطلب الاول : انشاء المحكمة أنشِئَت المحكمة الجنائية الدولية باعتماد النظام الأساسي لها بتاريخ 17 تموز 1998بمدينة روما وذلك تحت رعاية منظمة الأمم المتحدة، وتم إصدار نظامها الأساسي من طرف الأمانة العامة للمنظم بتاريخ 28 أيلول 1998 ثم بعدها في 18 أيار 1999كان الهدف من إنشاء المحكمة هو معاقبة مرتكبي الجرائم الدولية الخطيرة ومن بينها الجرائم ضدالإنسانية وجرائم الحرب والإبادة الجماعية وكذلك جريمة العدوان .وانطلاق اً من هذه الخصائص في النشأة، يمكن القول : إ ن المحكمة الجنائية هي هيئة دولية دائمة لها سلطة ممارسة اختصاصها على الأشخاص الذين يرتكبون الجرائم ضد المجتمع الدولي،ويعداختصاصها كما سوف نراه مكملا لاختصاصات الجهات القضائية الوطنية، كما أنه يختلف عن التسويات السياسية التي يقيمها أحيان اً مجلس الأمن وترتبط بالمصالح الدولية المختلفة،وتتمتع المحكمة الجنائية بالشخصية القانونية الدولية، ولها الأهلية القانونية لممارسة وظائفها في محاكمة ومعاقبة مرتكبي الجرائم الدولية؛ وهي من ثم تعد من حيث القانون الدولي جهاز اً قضائي اً دولي اً مستقلا وبحكم هذه الاستقلالية تعد المحكمة الجنائية متميزة ومستقلة عن الهياكل التابعة لمنظمة الأمم المتحدة. يلزم النظام الأساسي للمحكمة، الدول التي تصبح طرفاً في النظام الأساسي بأن تمنح تلقائياً المحكمة اختصاص النظر في الجرائم المحددة في النظام الأساسي، وهذا ما أشارت إليه صراحة الفقرة الأولى . من المادة 12 من النظام الأساسي .أما الدول غير الأطراف في النظام الأساسي فهي مستبعدة من اختصاص المحكمة الإلزامي،ومع ذلك لها أن تقبل هذا الاختصاص في حالات مخصصة بصدد جريمة معينة ، متى توافر أحد الشرطين ، أما. أن تقع الجريمة على إقليمها أو كان المتهم أحد رعاياها . المطلب الثاني :الاختصاص الموضوعي للمحكمة : كانت كلمات القاضي الروسي دين مارتينز في ختام مؤتمر لاهاي المنطلق الذي استخدم لاحقا في تجريم الافعال التي تشكل حاليا جرائم ضد الانسانية عندما قال في كلمته حتى صدور منظومة مدونة قانونية كاملة لقوانين الحرب، وفي الحالات التي لا تتضمن القواعد الموضوعية، فإن الدول المتعاقدة ترى الفرصة مناسبة للإعلان بأن السكان المتحاربين يظلون تحت سلطان وحماية مبادئ قوانين الأمم المؤسسة على ما هو مستقر بين الشعوب المتمدنة وقوانين الإنسانية ومقتضيات الضمير العام فمن خلال تلك الكلمات نرى انه كان يسعى الى تامين حماية للمدنيين الذي هم اساس الجرائم ضد الإنسانية بالرغم من ان اتفاقيات لاهاي انصبت على تنظيم الأوضاع بين المتحاربين، الا ان القاضي الروسي حدد المعيار للجريمة ضد الإنسانية، وهذا المعيار هو القوانين الإنسانية ومقتضيات الضمير العام للإنسانية والمبادئ المستقرة بين الأمم المتمدنة. خلال اجتماعات اللجنة التحضيرية لمؤتمر روما لم يكن هناك أي خلاف بين الوفود على تضمين الجرائم ضد الإنسانية ضمن الجرائم المعاقب عليها في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، ولكن ما أثار خلافاً بين الوفود المشاركة هو الوصول إلى تعريف محدد لهذه الجريمة.وقد تباينت الآراء في المؤتمر حول تعريف الجرائم ضد الإنسانية بسبب عدم وجود اتفاق موحد على تعريفها بعد مناقشات طويلة بين الوفود المشاركة، تم الاتفاق على تعريف للجرائم ضد الإنسانية ينص على أن يشكل أي فعل من الأفعال جريمة ضد الإنسانية عندما يتم ارتكابها في إطار هجومي منهجي أو واسع النطاق والذي يتم توجيهه ضد أي مجموعة من السكان المدنيين على علم بالهجوم، القتل العمد، الابادة، الاستعباد الاسترقاق، النفي أو الإبعاد والنقل ألقسري للسكان، السجن أو الحرمان الشديد من الحرية انتهاكاً للقواعد الأساسية للقانون الدولي، التعذيب، الاغتصاب أو الاستعباد الجنسي أو الدعارة الإجبارية أو الحمل الإجباري، التعقيم الإجباري أو أي شكل آخر من أشكال العنف الجنسي من نفس الخطورة، الاضطهاد السياسي أو العنصري أو الوطني أو القومي أو الثقافي لأي فئة أو جماعة محددة كما هو منصوص عليه في الفقرة رقم 3 وأي قواعد أخرى لا يجيزها القانون الدولي ارتباطاً بأي عمل مشار إليه في هذه الفقرة أو أي جريمة يتم ارتكابها وتدخل في اختصاص المحكمة الإجباري أو أي أعمال للإنسانية أخرى من نفس الشكل أو ما شابه والتي تسبب آلاماً أو معاناة شديدة أو إصابة بالغة لسلامة البدن أو العقل . وقد احتوت هذه المادة على ثلاث فقرات: الفقرة الأولى تتضمن تعداداً للجرائم ضد الإنسانية على نحو ما هو منصوص عليه في المواثيق السابقة، وبشكل خاص المواثيق الأساسية لمحكمتي يوغسلافيا السابقة ورواندا مع توضيح للأوضاع التي ترتكب في إطارها الجرائم ضد الإنسانية، أما الفقرتان الثانية والثالثة فقد تناولتا تعريف بعض المصطلحات الموجودة في الفقرة الأولى بناء على طلب بعض الوفود وأشار بعضها إلى المعايير العامة التي تميّز الجرائم ضد الإنسانية عن الجرائم العادية ذلك منعا لحدوث تداخل بين ولاية هذه المحاكم والمحاكم الوطنية. المطلب الثالث : تعريف الجرائم ضد الانسانية ضمن اطار اتفاقية روما لسنة 1998 . كان من اهم التطورات التي طرأت على تعريف الجرائم ضد الإنسانية في مؤتمر روما مايلي : 1. وضع هذا التعريف معيارين إذا تحققا فان أي اعتداء على البشر يعتبر جريمة ضد الإنسانية، وهو أن يتم ارتكاب هذه الجريمة ضد السكان المدنيين، وان تكون هذه الاعتداءات جزءاً من اعتداءات واسعة النطاق أو منهجية.كما توسَّع هذا النظام كثيراً في قائمة الجرائم ضد الإنسانية، كما ترك المجال مفتوحاً لإضافة إي جرائم أخرى، وأدى هذا التوسّع إلى إثارة حفيظة بعض الدول المشاركة في المؤتمر فيما يتعلق بتعارض هذه الجرائم مع المعتقدات الدينية أو القانون الوطني لبعض الدول 2. عرَّف النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية الجرائم ضد الإنسانية ولم يقتصر على تعداد هذه الجرائم كما فعلت المحاكم السابقة، فأوضح المقصود بالكثير من المصطلحات الواردة في الفقرة الأولى مثل الابادة، الاستعباد، النقل الإجباري للسكان، التعذيب، الحمل الإجباري والاضطهاد.واللافت أن ثمة تشابها بين الجرائم ضد الإنسانية والجرائم التي تخضع للاختصاص الداخلي لمحاكم الدول من حيث الأركان العامة للجريمة، فالقتل جريمة معاقب عليها في القوانين الداخلية، ومعاقب عليها كجريمة ضد الإنسانية إذا توفر فيها متطلبات معينة، ومعاقب عليها أيضا كجريمة حرب إذا كانت مرتكبة في زمن الحرب. وفي جميع هذه الأحوال لا بد من توفر الأركان القانونية للجريمة: الركن المادي والركن المعنوي والركن الشرعي، كما أن عوامل تحديد المسؤولية لها قد تتشابه أحيانا. 3. إن متطلبات الجرائم ضد الإنسانية هي عبارة عن معايير عامة تميّزها عما يشابهها من الجرائم سواء في القوانين الداخلية أم في القانون الدولي، وتكمن أهمية هذه المعايير في منع التداخل بين اختصاص كل من القانون الدولي والقانون الداخلي من جهة ، إذ أنها تدخل الجرائم ضد الإنسانية في نطاق الاختصاص القضائي الدولي، وتزيل التداخل والغموض بين الجرائم ضد الإنسانية وبقية الجرائم الدولية التي تتشابه معها من جهة أخرى مثل جرائم الحرب وجريمة الابادة الجماعية، وفي غياب تحديد هذه المعايير فإن خلطاً والتباسا سوف يكتنف هذه الجرائم. فالمعايير العامة للجرائم ضد الإنسانية هي أربعة أ‌. ارتباط الجرائم ضد الإنسانية بالنزاع المسلح. ب‌. ارتباط الجرائم ضد الإنسانية بالهجوم واسع النطاق والمنهجي. ت‌. توجيه هذه الجرائم ضد السكان المدنيين. ث‌. ارتكاب هذه الجرائم على أساس تمييزي. إن أهم ما يميز هذه المعايير أن احدها قد يكون ذو أهمية كبيرة في مرحلة معينة أو نزاع معين، وقد يصبح اقل أهمية في نزاع آخر، ويبدو هذا واضحاً من خلال مقارنة مابين النظام الأساسي لمحكمة يوغسلافيا السابقة الذي يتطلب ارتكاب الجرائم ضد الإنسانية في إطار النزاع المسلح، بينما ركَّز النظام الأساسي لمحكمة رواندا على الأسس التمييزية كمعيار لحدوث هذه الجرائم، وهذا التباين في الأسس ـ التي اعتمدت عليها المحكمتان ـ يعود إلى طبيعة كل من النزاعين اللذين نشأت في ظلهما هاتان المحكمتان فالنزاع في رواندا هو نزاع مبني على نزاع طائفي بين أقلية الهوتو وأغلبية التوتسي، بينما أراد النظام الأساسي لمحكمة يوغسلافيا السابقة الإبقاء على الصلات مع القانون الدولي التقليدي ممثلاً بميثاق لندن الذي اشترط ارتكاب الجرائم في إطار النزاع المسلح، ولو أن النظام الأساسي لمحكمة رواندا قد اشترط نفس الشروط لأسفر ذلك بالضرورة عن إفلات مجرمين كثر من العقاب. لقد انتقل الجدل إلى مرحلة جديدة حيث مضت حوارات روما إلى نقاش أن الجرائم ضد الإنسانية ترتكب في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي ضد السكان المدنيين، ولم يربط هذا النظام الجرائم ضد الإنسانية بالنزاع المسلح وذلك بسبب الخلاف الشديد بين الوفود المشاركة على الإبقاء على هذا الارتباط أو إزالته، وقد دار الجدال أساسا بين فريقين: الفريق الأول: أكد على ضرورة وجود نزاع مسلح لارتكاب هذه الجرائم وذهب بعض المؤيدين لهذا الفريق إلى ابعد من ذلك حيث اشترط أن يكون هذا النزاع دولياً. ولتأييد وجهة النظر هذه احتجَّ الفريق بالنص على ذلك في كل من محاكم نورمبرغ وطوكيو ويوغسلافيا السابقة كما احتجَّ بقرار محكمة يوغسلافيا الجنائية الدولية في قضية نيكولنسن، وبأن القانون العرفي لم يتغير بسبب اعتماد صكوك حقوق الإنسان. الفريق الثاني: والذي يتكون من أغلبية الوفود المشاركة أكد بأن القانون الدولي التقليدي لا يتطلب النزاع المسلح كمتطلب أساسي للجرائم ضد الإنسانية، وأضاف أن تطلب هذا الارتباط في محاكم نورمبيرغ وطوكيو ويوغسلافيا السابقة يعتبر قيداً على اختصاص هذه المحاكم ولكن إمكانية حدوث الجرائم ضد الإنسانية في الحرب والسلم متساوية، وبرر هذا الفريق موقفه بعدم اشتراط ارتباط الجرائم ضد الإنسانية بالنزاع المسلح في كل من المادة الأولى من اتفاقية الابادة الجماعية وقانون مجلس الرقابة واتفاقية عدم تقادم جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والنظام الأساسي لمحكمة رواندا وقرار محكمة الاستئناف لمحكمة يوغسلافيا السابقة في قضية تادتيش ومشروع المدونة الصادر عن لجنة القانون الدولي وقيل أيضا أن اشتراط ارتكاب الجرائم ضد الإنسانية بالارتباط مع النزاع المسلح سوف يؤدي إلى خلط الجرائم ضد الإنسانية بجرائم الحرب. وقد أشارت محكمة رواندا الجنائية الدولية في قضية keyisbema أن جميع من يحافظون على النظام العام ويطبقون القانون بصورة شرعية هم غير مدنيين وكل فرد من أفراد القوات المسلحة التابعة لأحد أطراف النزاع هو مقاتل وكل مقاتل يقع في منطقة العدو هو أسير حرب وجميعهم لا يعتبرون من السكان المدنيين. بينما عرفت السكان المدنيين في قضية akayesu تعريفا موسعا ليشمل الأشخاص الذين لا يشاركون في العمليات العدائية، بما في ذلك أفراد القوات المسلحة الذين استسلموا أو انسحبوا من القتال نتيجة المرض أو الإصابة أو الحجز أو إي سبب آخر. إن مصطلح السكان المدنيين civilian population استخدم في تعريف الجرائم ضد الإنسانية للدلالة على أن هذه الجرائم ترتكب ضد المدنيين وليس ضد الإنسانية بحيث لا تقتصر على ضحية واحدة فقط فما هو مدى أهمية احتواء تعريف الجرائم ضد الإنسانية على هذا الاصطلاح,ولقد تمّت الإشارة إلى هذا المتطلب بطريقتين: الأولى: بشكل مباشر حيث نصّت النظم الأساسية لمحكمة رواندا الجنائية الدولية والنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ومشروع مدونة الجرائم المخلة بسلم الإنسانية وأمنها على أن الجرائم ضد الإنسانية يجب أن ترتكب في إطار هجوم منهجي وواسع النطاق. والثانية: بشكل غير مباشر حيث نصَّ مشروع مدونة الجرائم المخلة بسلم الإنسانية وأمنها لعام 1954 على أن الجرائم ضد الإنسانية ترتكب من قبل سلطات الدولة أو من قبل فئة خاصة من الأفراد تعمل لحساب هذه السلطات ونص النظام الأساسي لمحكمة طوكيو بان القادة والمنظمين والباحثين والمشاركين في صياغة خطة معروفة يكونون مسؤولين عن الأعمال التي ترتكب من أي شخص تنفيذا لهذه الخطة. تنص المادة الخامسة من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية على ما يأتي : يقتصر اختصاص المحكمة على أشد الجرائم خطورة موضوع اهتمام المجتمع الدولي بأسره وللمحكمة بموجب هذا النظام الأساسي اختصاص النظر في الجرائم الآتية : 1 جريمة الإبادة الجماعية . 2 الجرائم ضد الإنسانية . 3 جرائم الحرب . 4 جريمة العدوان . اما اختصاص المحكمة من حيث الأشخاص فقد ذهبت المادة 25 من النظام الأساسي للمحكمة، إلى أن اختصاص المحكمة يثبت على الأشخاص الطبيعيين فقط، وأن الشخص المعنوي الذي يرتكب جريمة تدخل في اختصاص المحكمة يكون مسؤولا عنها بصفته الفردية، ومن ثم يبعد النظام الأساسي من اختصاصه تنص على أن الدولة التي تصبح طرف اً في هذا النظام الأساسي تقبل بذلك اختصاص المحكمة في
تاريخ الإضافـة 21/12/2019 - 09:06