الموسوعة الخبرية الاولى في العراق تأسست عام 2000 م

من قتل الامام ؟
أضيف بواسـطة
النـص : تمر هذه الايام ذكرى استشهاد أمام العالمين ويعسوب الدين وحامل راية رسول رب العالمين أمير المومنين علي ابن ابي طالب عليه السلام الامام الذي عاش مظلوما في حياته وبعد مماته. علي ابن ابي طالب هذا الرجل الذي لم يعرف قدره الا الله ورسوله بنص حديث رسول الله صلى الله عليه واله وسلم حاول اعداءه اعداء الدين ان يخفوا ذكراه ويطمسوا اثاره بكل الطرق لدرجة انهم سنوا شتمه على منابر المساجد ثمانين عاما كما ورد في صحيح مسلم ومسند احمد والمستدرك على الصحيحين وتاريخ الطبري والمسعودي وكتاب فتح الباري في شرح صحيح البخاري لابن حجر والزمخشري والحموي وتاريخ دمشق وغيرها من الكتب . ووصل الظلم الى تزوير قصة مقتله فاستبدلوا الموامرة الكبرى بقصة مهلهلة تجعل جريمة القتل على رجل واحد هو اللعين عبد الرحمن ابن ملجم لذلك سنحاول في هذا المقال ان نتتبع تلك الموامر ومعرفة خطوطها . فلنبداء في القصة المهلهلة التي تم اعتبارها حقيقة رغم عدم امكانية صمودها امام القراءة العلمية وتتلخص في أن ثلاثة من الخوارج وهم: عبد الرحمن ابن ملجم ، والبرك بن عبد الله التميمي، وعمرو بن بكر التميمي أيضا اجتمعوا فتذاكروا قتل علي إخوانهم من أهل النهروان فترحموا عليهم.وقالوا: ماذا نصنع بالبقاء بعدهم؟ كانوا لا يخافون في الله لومة لائم، فلو شرينا أنفسنا فأتينا أئمة الضلال فقتلناهم فأرحنا منهم البلاد وأخذنا منهم ثأر إخواننا؟فقال ابن ملجم: أما أنا فأكفيكم علي بن أبي طالب.وقال البرك: وأنا أكفيكم معاوية.وقال عمرو بن بكر: وأنا أكفيكم عمرو بن العاص. وقام ابن ملجم بضرب الامام اثناء سجودة في محرابة في مسجد الكوفة ، وحمل الامام علي إلى منزله، وحمل إليه عبد الرحمن بن ملجم فأوقف بين يديه وهو مكتوف فقال له: أي عدو الله ألم أحسن إليك كما اورد ذلك ابن كثير في البداية والنهاية الجزء السابع اذا عرضنا هذه القصة على البحث العلمي ومن المصادر التاريخية نجد انها لايمكن ان تصمد للاسباب التالية : 1. ان ابن ملجم لم يكن من الخوارج بل كان من انصار الامام علي عليه السلام وشهد معه صفين كما روى ذلك الحافظ شمس الدين الذهبي في تاريخ الاسلام ووفيات المشاهير و الاعلام . 2. ان ابن ملجم كان في جيش الامام علي الذي قاتل الخوارج في النهروان كما ذكر ذلك كتاب الفتوح لأبي محمد أحمد بن أعثم الكوفي المتوفي سنة 314 للهجرة وقد بلغ فرح ابن ملجم بانتصار جيش الامام كما يروي كتاب الفتوح انه سبق الجيش ودخل الكوفة، فجعل يبشر أهلها بهلاك الشراة أي الخوارج . 3. كيف يتفق الخارجيان البرك ابن عبد الله وعمرو بن بكر مع ابن ملجم الذي حاربهم وزف بشرى النصر عليهم ؟ 4. لماذا كان سيف ابن ملجم مسموما سم اشتراه ابن ملجم بالف في حين كان سيف البرك الذي ضرب به معاوية حسب الرواية غير مسموم فلم يمت معاوية رغم اصابته في عجيزته وقيل ان الضربة قطعت خصيتيه ؟ 5. ان ابن ملجم كان قريبا من عمرو ابن العاص وكان معه في فتح مصر وأمره بالنزول بالقرب منه زمن عمر ابن الخطاب وبتوصية خاصة من عمر الذي ارسله مصر واوصى عمرو بان يراعي ابن ملجم باعتباره من العباد والقراء كما روى الصفدي في لسان الميزان . 6. أن ابن ملجم كان معلما للقرآن وكان يأخذ رزقه من بيت المال ولم تكن عنده أية سعة مالية فمن أين له الأموال التي اشترى بها سيفه الذي اغتال به الإمام بألف وسمه بألف ومن أين له الأموال التي أعطاها مهر لقطام وهو ثلاثة آلاف وعبد وقينة. 7. ان الروايات ذكرت ابن ملجم بكافة التفاصيل في حين ان المصادر كانت مقتضبة جدا فيما يتعلق بمحاولة اغتيال معاوية او عمرو بن العاص . 8. ان قصة مقتل الامام رواها الطبري عن أسماعيل بن را شد مرسلا، فهو غير معاصر للاحداث ولكن المصدر مجهول كما روى القصة ابن قتيبة في الامامة والسياسة برواية غير مسندة كذلك فعل الدينوري صاحب الأخبار الطوال ت 282، والبلاذري في أنساب الاشراف الذي اورد القصة مرسلة ، واليعقوبي في تاريخه بدون سند ، والمسعودي ، كذلك رواها صاحب الطبقات ابن سعد وجميع الروايات تفتقد السند او ان في سندها ضعف . بالطبع ذكرت قصة مقتل الامام الكثير من المصادر الشيعية الا اننا في هذا المقال قررنا الابتعاد عن تلك المصادر لاثبات الموامرة من المصادر السنية فقط . 9. التركيز الشديد من قبل المورخين والرواة على ابن ملجم متناسين ان الذين قاموا بالهجوم المباشر ثلاثة حيث ذكر ابن سعد في كتاب الطبقات ولقي عبد الرحمن بن ملجم شبيب بن بجرة الأشجعي فأعلمه ما يريد ودعاه إلى أن يكون معه فأجابه إلى ذلك كما ذكر الزركلي اشتراك وردان ابن مجاهد في الهجوم على الامام وردان بن مجالد بن علفة بن الفريش التيمي، من تيم الرباب، من أهل الكوفة: أحد المشاركين في قتل أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب. كان أبوه مجالد وعمه هلال بن علفة من الخارجين على علي . 10. ان شبيب بن بجرة بعد تنفيذ عملية القتل هرب الى الشام وذهب الى معاوية كما ذكر البلاذري في انساب الاشراف ثم عاد الى الكوفة بعد ان استقر الامر لمعاوية وبقي فيها فكيف يتلائم ذلك مع قصة اجتماع الخوارج على قتل الثلاثة . بعد ان بينا ان الرواية التي تبنتها كتب التراث مهلهلة ولاتصمد امام البحث العلمي يعود السوال الاصلي من قتل الامام ؟ ان الدليل الاقوى الموجود بين ايدينا ان الامام علي ابن ابي طالب عليه السلام قد تمت مهاجمته من قبل ثلاثة اشخاص هم عبد الرحمن بن ملجم ووردان ابن مجاهد وشبيب بن بجره بثلاثة اسياف تم نقعها بالسم في بيت قطام بنت شحنة التميمية وهي امرأة من تميم إشتهرت بالبغاء العلني في الكوفة وكانت لها قوادة عجوز إسمها لبابة هي الواسطة بينها وبين الزبائن ، وكان أباها شحنة بن عدي وأخاها حنظلة بن شحنة من الخوارج ، وقد قتلاً معاً في معركة النهروان ، وقد ذكر معظم المورخين قصة قطام ودورها في تحريض ابن ملجم على قتل الامام وكذلك تحريضها ابن عمها وردان ابن مجالد على المشاركة في القتل وان اختلفوا حول موضوع زواجها من ابن ملجم فمنهم من قال انه تزوجها ومنهم من قال انه لم يتزوجها ولكنهم اتفقوا على ان تخزين السلاح ومكان الانطلاق لتنفيذ الجريمة كان من بيت قطام في محلة بني تميم في الكوفة . عند هذه النقطة يجب ان نعرف لماذا تم اختيار ابن ملجم بالذات لتنفيذ الجريمة ؟ لمعرفة الجواب على هذا السؤال يجب ان نرجع الى تاريخ ابن ملجم الذي وصف بانه كان قاريء للقران وكان معلما وعرف بالشجاعة لنجد ان ابن ملجم عندما قدم من نجران الى المدينة تعلم على يد معاذ ابن جبل كما ورد في في سير اعلام النبلاء للذهبي ومعاذ هو الذي قدمه لعمر ابن الخطاب الذي قرر ارساله اي ابن ملجم الى مصر مع التوصية بالعناية به وهناك انزله ابن العاص في منزل بالقرب من منزل عبد الرحمن ابن عديس البلوي احد قتلة عثمان ابن عفان . عند هذه المرحلة يختفي ابن ملجم من التاريخ ليظهر في الكوفة عندما اتخذها الامام علي عليه السلام عاصمة للدولة فيأتيه ابن ملجم مبايعا وليصبح واحدا من اشد المتحمسين لحرب الخوارج في النهروان بل يكون هو الذي يحمل اخبار هزيمة الخوارج الى الكوفة وفي هذه المرحلة من حياته يتصل بقطام بنت شحنة التي سبقت الاشارة اليها سابقا فلماذا قطام ؟ ولماذا في ذلك الوقت بالذات ؟ نبدأ بالسؤال الثاني ففي تلك المرحلة كان الامام علي قد تخلص من الخوارج الذين كانوا اشد من قبل بموضوع التحكيم في معركة صفين والذين خذلوا الجيش وحولوا النصر الى مؤامرة فكان القضاء عليهم في معركة النهروان واصبح الوضع جاهزا حتى يهيء الامام علي جيشه مرة ثانية للقتال للقضاء على تمرد معاوية في الشام كما ذكر ابن قتيبة الدينوري في الإمامة والسياسة . لذلك كان لابد ان تتحرك عيون معاوية في الكوفة وعلى راسها الاشعث ابن قيس الذي قال عنه الطبري في تاريخه وكان المسلمون يلعنون الاشعث ويلعنه الكافرون أيضا وسبايا قومه، وسماه نساء قومه عرف النار، وهو اسم للغادر عندهم . كان الاشعث حاقدا على الامام علي لعزلة من ولاية اذربيجان وقد عزم على اللحاق بمعاوية بعد عزله لكنه عاد واتجه الى الكوفة وهو الذي ترأس حركة المؤيدين للتحكيم في جيش الإمام كما ذكرابن الجوزي في تذكره الخواص كذلك ذكر ابن حزم في الملل والنحل اعلم أن أول من خرج على أمير المؤمنين علي رضي الله عنه جماعة ممن كان معه في حرب صفين وأشدهم خروجاً عليه ومروقاً من الدين‏:‏ الأشعث ابن قيس الكندي ومسعر بن فدكي التميمي وزيد بن حصين الطائي حين قالوا‏:‏ القوم يدعوننا إلى كتاب الله وأنت تدعونا إلى السيف. كما ان ابن الاشعث ومعه أنصاره ولاسيما من أبناء اليمن اصروا على اختيار أبي موسى الأشعري ممثلاً للامام علي ونائباً عنه في التحكيم كما ذكر ابن كثير في البداية والنهاية والمسعودي في مروج الذهب . وصلت الامور بين الامام علي عليه السلام والاشعث ان الاصفهاني يروي عن سفيان ابن عيينة أن الأشعث بن قيس دخل على علي عليه السلام فأغلظ له علي، فعرض له الأشعث بأن يفتك به ، فقال له علي عليه السلام أبالموت تهددني؟! فوالله ما أبالي وقعت على الموت، أو وقع الموت علي ولكن اصرار الامام علي عليه السلام على تعبئة الناس لحرب معاوية جعل من الضروري التخلص منه اغتيالا. طالما كانت المرأة سلاح ابن الاشعث في قضاء اغراضه فقد تخلص من القتل بعد ان ارتد زمن ابو بكر فتزوج من اخت ابي بكر ام فروة حيث يذكر شارح النهج وحملوا الاشعث إلى أبى بكر موثقا في الحديد هو والعشرة، فعفا عنه وعنهم، وزوجه أخته أم فروة بنت أبى قحافة وكانت عمياء فولدت للأشعث محمدا وإسماعيل وإسحاق . ثم توصل الى ولاية اذربيجان زمن عثمان ابن عفان عن طريق تزويج ابنته من ابن عثمان . ولغرض التخلص من الامام علي عليه السلام تتم الاستعانة بالبغي قطام . بالنسبة للبغي قطام التي لديها حقد شخصي على الامام علي ابن ابي طالب بسبب مقتل ابيها واخيها في النهروان والتي هي من عملاء عمرو ابن العاص التي كانت تتجسس على انصار الامام علي في الكوفة لحساب ابن العاص والي مصر لمعاوية حيث يذكر لنا التاريخ انها كتبت الى ابن العاص تبلغه باسماء انصار الامام علي في مصر بعد مقتل محمد ابن ابي بكر عامل الامام علي على مصر وكانت مراسلاتها مع ابن العاص سببا في قتل العديد من اولئك الانصار . بدأت قطام مهمتها بالتعرض لابن ملجم عند عودته من حرب النهروان مبشرا بانتصار الامام على الخوارج فتعرضت له واغرته بجمالها فمال نحوها واطئن لها . كانت مهمة قطام هي ان تكون حلقة الوصل بين المخططين والمنفذين فتتلقى الاوامر من ممثل المخططين الاشعث ابن قيس وتوصلها الى المنفذين وهم كل من ابن ملجم وشبيب ابن بجرة ووردان ابن مجالد فقد تجهزوا بالسلاح في بيتها وغطت صدورهم بالحرير. وانطلق القتله من بيت قطام متجهين الى موقع الجريمة في مسجد الكوفة . كانت المثابة الاولى التي توقف فيها القتله بعد انطلاقهم من بيت قطام في محلة بني تميم هي مسجد بني اسد حيث قضوا الليل عند الاشعث ابن قيس حسب ما اورد الاصفهاني فلما قرب الفجر نادى الاشعث على ابن ملجم النجا فقد فضحك الصبح لتحريضه للاستعجال في تنفيذ الجريمة فانطلق القتلة الثلاث ابن ملجم وابن بجرة وابن مجاهد فلما راوا الامام علي عليه السلام في محراب المسجد للصلاة ابتدره شبيب ابن بجرة بالسيف فاخطائه عندئذ هجم عليه اللعين ابن ملجم فضربة على راسة فلما احس الامام بضربة السيف قال فزت ورب الكعبة . كانت المهمة الاخيرة للاشعث ابن قيس هي تامين هروب للمنفذين الا انه فطن الى ان عدي ابن حاتم الطائي رأه بصحبة ابن ملجم فخشي ان فشلت الخطة ان يتهم بالجريمة فارسل ابنه قيس ابن الاشعث ليتحرى الاخبار كما ذكر البلاذري وكان قد هيء رجالا في المسجد لتسهيل هروب المجرمين وقد ذكر الاصفهاني في مقاتل الطالبيين ان عدي بن حاتم عدما سمع بخبر جرح الامام نادى على الاشعث قتلته يااعور . بالنسبة للمجرمين فقد قبض المصلين على ابن ملجم اما شبيب ووردان فقد خلصتهم رجال الاشعث فاما وردان فقد عاد الى بيته فراه ابن عم له وراى الحرير على صدره عرف انه كان مشاركا في الجريمة فقتله في داره . اما ابن بجره فقد فر الى معاوية كما ذكر البلاذري في انساب الاشراف . بعد ان سردنا الاحداث كما وردت متفرقة في الكتب اعتقد ان التسلسل المنطقي يثبت هنا اكثر من القصة الاولى التي ارادت ان تسدل الستار على الموامرة بمقتل ابن ملجم . لكن هنا نرى ان الخيوط جميعها تتجه الى مصر فابن ملجم جاء من مصر عند ابن العاص وقطام كانت عينا لابن العاص على انصار الامام والاشعث ابن قيس هو رجل الامويين في الكوفة مما يوكد ان لابن العاص ضلعا في التخطيط للجريمة ولكن هل كان ذلك بعلم معاوية وامره ؟ من بين المصادر التي بين ايدينا قول القاضي النعمان بن محمد التميمي المصري المولود سنة 290 للهجرة الموافق لسنة 903 ميلادية حيث والذي ذكر ان معاوية هو الذي بذل المال لابن ملجم لقتل علي . لكن الاقرب للمنطق التحليلي فان المخطط الاساس للجريمة هو عمر بن العاص بدليل ان شبيب ابن بجرة عندا هرب واتجه الى الشام وروى القصة على معاوية هرب منه معاوية ودخل قصره وهدد عشيرته بانه اذا قام ابن بجرة باي عمل يخالف توجيهات معاوية فستشمل العقوبة كافة افراد العشيرة . ولكن ابو الاسود الدوئلي كان له راي يوكد على ان مقتل الامام كان موامرة اموية بقيادة معاوية ابن سفيان . كذلك افتخر شاعر بني امية بقتل الامام علي عندما تم جلب اسارى ال البيت امام يزيد في الشام. قد يسأل سأل لماذا ارتاحت الذاكرة العربية لقصة مهلهلة وضربت عرضا عن الادلة الواضحة ؟ اعتقد ان الجواب سهل جدا فمؤامرة الثلاثة تجعل الامام علي ابن ابي طالب ومعاوية وعمرو بن العاص في كفة واحدة وكذلك تقطع اي تحري في الموامرة او محاولة معرفة الحقيقة يصل الى طريق مسدود بمقتل المنفذين الثلاث ابن ملجم والبرك وعمرو بن بكر وبذلك يصبح قبول تلك الرواية اسهل على الضمير المسلم ، لكن الحقيقة مهما عمل المتامرون على اخفائها لابد ان تظهر فلا يوجد جريمة كاملة .
تاريخ الإضافـة 29/05/2019 - 23:52