الموسوعة الخبرية الاولى في العراق تأسست عام 2000 م

جريمة القنصلية درس في التحقيق الجنائي
أضيف بواسـطة
النـص : في الساعة الواحدة من بعد ظهر يوم الثلاثاء المصادف الثاني من تشرين الاول عام 2018 دخل الصحفي السعودي جمال خاشقجي الى قنصلية بلاده الواقعة في حي ليفانت في مدينة اسطنبول التركية وكان هذا اخر العهد به فلم يرى بعد ذلك خارجا من القنصلية . منذ ذلك التاريخ انشغل العالم في معرفة مصيره وماجرى ويجري اما الكاميرات وفي خلف الكواليس لتصبح قضية خاشقجي الحدث الذي عطى على الكثير من الاحداث العالمية ولتصبح قصة تتداخل فيها السياسة بالاقتصاد والقانون الدولي بالقانون الجنائي . وتحول الموضوع من الاهتمام بمعرفة مصير خاشقجي الى معرفة مصير المتهم بقتله . تمثل قضية خاشقجي درسا مهما يصلح للتدريس في كليات القانون كمثال جيد لتدريب المحققين الجائيين على كيفية استقراء الادلة المتوفرة وكيفية استنباطها مما هو متوفر امام المحقق وكيفية التعامل مع اي قضية جنائية يمكن ان تعرض على اي محقق . هنا احب ان اذكر ان المقصود بهذا المقال ليس تجريما لاي احد وليس توجيه التهمة لاي شخص او جهة بل هي شرحا لكيفية قيام اي محقق بالتعامل مع ما متوفر امامه من معطيات . من اول الصفات التي يجب ان يتحلى بها المحقق الناجح هو الحيادية لذلك فعند تناول هذه القضية يجب ان يحافظ على مشاعره الشخصية بعيدا عن نظرته للادلة المتوفرة فسوء كان متعاطف مع الضحية او مع المتهمين فيجب ان يكون ذلك التعاطف بعيد عن نظرته الى الوقائع التي امامه كذلك يجب ان يحافظ على الموضوعية لذلك يجب ان يكون تقييمه للامور بعيدا عما تتاوله الصحافة من معلومات غير موثقة وغير رسمية كما يجب ان لايخضع لضغوط الراي العام المطلب بالكشف السريع عن نتائج التحقيقات . في ضوء المتقدم من الصفات يبداء المحقق في تناول القضية . اول مصدر للمعلومات الموثقة يجب اخذها من اقوال المخبر وهو في قضية خاشقجي هو الدكتورة خديجة جنكيز خطيبة جمال خاشقجي التركية الجنسية والمتخصصة في العلاقات التركية العمانية فهي اول من ابلغ عن الحادث وجاء في بلاغها للسلطات التركية ان المواطن السعودي جمال خاشقجي دخل الى قنصلية بلاده في اسطنبول وترك هاتفه المحمول معها وهي بقيت تنتظره في الخارج ولم يخرج مرة ثانية وانها تعتقد بان مكروه قد اصابه . هذه الاقوال تعتبر بلاغ رسمي يحتاج الى دليل يدعمها وكان الدليل الاول الذي دعمها قد جاء من القنصلية السعودية في نفس اليوم بان جمال دخل القنصلية وخرج منها بعد عشرين دقيقة وهو ماتم تاكيده من قبل اعلى سلطة في السعودية على لسان ولي العهد السعودي بعد يومين من الحادثة . هذا البلاع يكفي لتحريك الدعوى في جانبها الجنائي باعتبار ان الضحية مواطن موجود على الاراضي التركية واختفى في منطقة تعتبر اراضي سعودية وفقا للاتفاقيات والاعراف الدبلوماسية . بعيدا عن كافة التقارير الصحفية التي لاتعتبر مصادر معتمدة فان افضل مصدر لاخذ المعلومات لمعرفة القصة الجقيقية هو اقوال المتهم التي يدلي بها بدون ضغط او تهديد او وعد او وعيد وفي هذه القضية يعتبر البيان الذي صدر عن مجلس الوزراء السعودي هو اقوال المتهم ( والذي لااشك بان من كتبه يعتبر اسوء محامي عن المتهم لاسباب سابينها لاحقا ) من ذلك البيان الذي صدر يوم 16 تشرين الاول اي بعد اسبوعين من الحادث يمكن ان ناخذ الحقائق التالية التي اعترف بها المتهم وهي ان جمال خاشقجي قد دخل القنصلية ولم يخرج وانه تمت مقابلته من قبل مجموعة مرسلة من الرياض وانه قتل اثر مشاجرة ، بعكس كافة المعلومات التي سربتها السلطات السعودية طيلة اسبوعين وهنا يتغير الوصف القانوني للمجنى عليه من مجهول المصير الى المقتول . بهذا البيان فان الحكومة السعودية وضعت نفسها ووضعت الحكومة التركية وكذلك وضعت الادارة الامريكية في موقف محرج فبعد هذه الاقوال لايمكن الادعاء بان جمال قد توفي قضاء وقدر وان المجموعة المرسلة حاولت التخلص من الاحراج فقامت باخفاء خبر وفاته وهو سيناريو تم في العديد من القضايا في العالم التي تحاول الحكومات التغطية على جرائمها . كما ان المعلومات التي وردت في البيان توكد ان المجموعة الخمسة عشر جميعا مشاركين في القتل كما ان البيان يجعل من القنصل السعودي شريكا في الجريمة لانه ظهر بعد الحادث في القنصلية وهو ينفي وجود الخاشقجي ويدعي بان الكاميرات في القنصلية لا تسجل الصور بالرغم من ان البيان اكد ان المجموعة المرسلة من الرياض قامت برفع القرص الصلب للكاميرات لذلك اكدت المعلومات ضلوع متعاقد تركي الجنسية في جريمة اخفاء الجثة . في بيان لاحق تغيرت القصة السعودية ليعلن النائب العام السعودي بان القتل كان متعمدا وبهذا يتغير الوصف القانوني للقضية من القتل الخطاء الى القتل مع سبق الاصرار والترصد وبهذا يتم شمول من قام بارسال المجموعة الى اسطنبول باعتباره شريكا بالجريمة . كما ان تشكيل المجموعة نفسها التي ضمت عدد من الضباط الكبار في الاستخبارات السعودية وطبيب من الطب العدلي وافراد من الحمايات الشخصية لولي العهد السعودي وبعض العاملين في الديوان الملكي السعودي كما ان اطار عملهم في القنصلية التابعة لوزارة الخارجية السعودية واستخدام اجهزة وسيارات القنصلية توحي ان المجموعة لم يتم تشكيلها باوامر صادرة عن مسؤول في الاستخبارات او من قبل مستار بل ان هذه الصلاحية لايملكها الا من لديه الصلاحية في توجيه الامر الى الوزارات المختلفة لذلك يجب ان يتم سوال وزير الخارجية ووزير الصحة ومدير الاستخبارات في المملكة السعودية لمعرفة من اعطى الاوامر بتشكيل المجموعة وماهي التوجيهات التي صدرت لتلك المجموعة . بالاضافة الى تلك المعلومات فقد ذكرت البيانات السعودية الرسمية معلومة في غاية الخطورة وهي ان الجثة اعطيت الى متعاقد تركي للتخلص منها وخطورة هذه المعلومة بانها تكشف عن جريمة مستمرة ترتكبها البعثة الدبلوماسية وهي التعامل مع عصابات اجرامية فلا يعقل ان تكون المجموعة قد عثرت على المتعاقد وتفاهمت معه وهي اي المجموعة لم تقضي في اسطنبول سوى اقل من 20 ساعة كما ان السلطات السعودية لم تكشف اسم ذلك المتعاقد كما لم تكشف مكان اخفاء الجثة او مصيرها . وهذا هو ملخص للمعلومات التي يمكن استنباطها من اقوال السلطات السعودية وهي معلومات جاءت متتابعة وجعلت من موقف المتهمين اسوء واسوء . نتجه الان الى المصدر الرسمي الثاني وهو البيانات الرسمية التي صدرت من الحكومة التركية باعتبارها الجهة التي تجمع الادلة وتلك المعلومات يمكن تلخيصها بان الجريمة قد تم التخطيط لها في الرياض بعد وصول معلومات من القنصلية بان جمال الخاشقجي سيزور القنصلية بتاريخ الثاني من تشرين الاول لتصديق الاوراق الخاصة بزواجه وان مجموعة من القنصلية سافرت الى الرياض لاخذ التعليمات وبهذا تتسع دائرة الاتهام لتشمل السفارة السعودية في انقرة باعتبارها الجهة المسؤولة عن حركة الموظفين ووزارة الخارجية السعودية التي يجب ان يتم سؤالها عن حركة موظفيها . المعلومة الثانية توكد بان هناك فريق ثاني قد وصل الى اسطنبول وقام بالتحري عن غابة بلغراد في اسطنبول مما يشير الى احتمال التخلص من الجثة في تلك الغابة وان من امر بتشكيل المجموعة قد اعطى التعليمات بالقتل والتخلص من الجثة . كذلك تشير الصور التي نشرتها السلطات التركية الى ان المجموعة انتقلت الى بيت القنصل القريب من مبنى القنصلية بسيارات تابعة للقنصلية وان احدى السيارات اختفت ليتم العثور عليها بعد فترة في احد المراب في اسطنبول مما يوكد ضلوع القنصل في المشاركة الفعلية في الجريمة . اشار البيان الرسمي التركي الا ان المجموعة السعودية قد اصطحبت معها منشار خاص يستخدمه اطباء الطب العدلي لتقطيع الجثث وهذا يوكد ان من امر المجموعة بالتحرك امرهم بقتل وتقطيع الجثة .كما ان الصور التي تم نشرها تظهر ان هناك ضمن الفريق شخص تم الاستعانة به لوجود شبه كبير بينه وبين المجنى عليه والذي ارتدى ملابس المجنى عليه وخرج من الباب الخلفي للقنصلية وتم تصويره لاثبات خروج المجنى عليه من القنصلية واتهام تركيا بقتل واخفاء جمال خاشقجي اي ان القصة التي كان قد اعدها من امر بارتكاب الجريمة هو اتهام تركيا بالجريمة . مما تقدم نصل الى ان هناك جريمة قد تم التخطيط لها في الرياض لقتل جمال خاشقجي واتهام تركيا بالقتل ولكن العنصر الذي افسد هذا المخطط ولم يكن في اعتبار المخطط هو وجود خديجة جنكيز فلو لم تكن موجودة لتم اخراج الشبيه من القنصلية لاتهام الحكومة التركية . اذن ماسبق هو مجرد درس لكيفية التعامل مع ماهو متوفر من معلومات لبناء اي قضية طبعا ان التحقيق المباشر سوف يوفر معلومات اكثر ولكن هنا لدينا درس حول ان قراءة بسيطة خارجية يمكن ان تضع تسلسل منطقي للاحداث وكما قلنا سابقا نحن ليس في مجال توجيه اتهام لاي شخص . زهير جمعة المالكي
تاريخ الإضافـة 30/10/2018 - 23:52