الموسوعة الخبرية الاولى في العراق تأسست عام 2000 م

لماذا يدفه العراقيون ثمن دخول الصغار الى نادي الكبار
أضيف بواسـطة
النـص : لماذ يدفع العراقيون ثمن دخول الصغار لنادي الكبار د.ماجد السامرائي في العقدين الأول والثاني من القرن الواحد والعشرين أصبح للعلاقات الدولية مضامين جديدة لم يعد فيها مكان التسليم للكبار التاريخيين أصحاب أزرار التفجير النووي المدمر للبشرية , بعد أن قضحت ثورة التكنولوجيا والاتصالات مواقع الضعف والوهن في مفاصل حساسة في الماكنة الضخمة للإدارة العالمية اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً واستخبارياً , وقد سلّم القرن العشرين للقرن الحالي تبعات موروث عظمة الكبار الذين انتجتهم ملايين ضحايا البشرية في الحربين العالميتين وما بعدهما,حيث أصبح القرن الحالي لا يدار بقوة واحدة أو قوتين وإنما من قبل عائلة التحكم الاقتصادي بتراتبيات متفاوتة ومواليها من ذوي االحجوم الصغيرة في منطقتنا الذين اكتشفوا إنه بالامكان أن تطلق عليهم عناونين الأقوياء حتى وإن لم يمتلكوا الحدود الدنيا من مواصفات الكبار التاريخيين طالما تفيض أموالهم ولا يعرفون أين ينفقونها , فلماذا لا تستثمر في ميدان النفوذ السياسي واللعب على قضايا الشعوب المقموعة , بل إن الكبار أصبحوا يطلبون ودّهم ورضاهم وخدمة تطلعاتهم الصبيانية . وصدّقوا أنفسهم بأنهم ليسوا صغاراً, وبعد أن تلاشت فكرة الروابط القومية العروبية والاسلامية في العالم العربي بعد خذلان أبنائه من قادتهم وحكامهم , تقدمت نظرية التعاطي بالقدرة المالية لصالح أهداف أولئك الحالمين بنادي الكبار الجدد , عبر وسائل لم يعهدها العالم " احتجاز الرهائن والاختطاف والتفجير " ثم فرض المواقف والإذعان للرغبات , وهذه لا تتطلب جيوشاً جرارة وصواريخ ودبابات وإعلان حروب , تتطلب قدرا من المال واعلام متطور وذمم لمبتدئين بالسياسة جاهزة للشراء الرخيص وعصابات ومرتزقة أصبحوا يخدعون أنفسهم وغيرهم بغطاء الدين والمذهب والعقيدة , ثم يجبرون الكبار على الإذعان . ألم تذعن أمريكا " كارتر " للحكام المعممين في طهران الذين احتجزوا ( 444 ) يوماً في مقر السفارة الأمريكية عام 1979 بعد أشهر قليلة من وصول ( خميني ) من باريس واستلامه الحكم , وكانت تلك المحنة الانسانية سبباً في إزاحة ( كارتر ) عن الولاية الثانية وفوز (ريغان) بالرئاسة , وكذلك تفجيرالسفارة العراقية في بيروت عام 1983 ومقتل جميع موظفيها بمن فيهم زوجة الشاعر نزار قباني ( بلقيس الراوي ) وتفجير مقر قيادة المارنيز الأمريكان بنفس العام في بيروت والذي تسبب بقتل " 241" جندياً .ساعدت ظروف إفغانستان ثم وضع الاحتلال الامريكي للعراق على تصعيد هذا النمط الجديد من التعاطي مع الأحداث الساخنة لفرض القوة عبر دعم لا محدود مالي وعسكري ومعنوي من بعض " العرب" للمجاميع المسلحة المتطرفة التي استثمرت مقاومة العراقيين من العرب السنة للاحتلال الأمريكي عام 2003 بعد خلط متعمّد من قبل بعض الأحزاب " الشيعية " ما بين القضاء على نظام حكم صدام ومواجهة ذلك الاحتلال , بما ساعد تلك الجماعات المتطرفة " داعش " فيما بعد على ضم الكثير من المقاومين للاحتلال الى صفوفها ,بعد أن دفعتهم سياسات الاستبداد والتنكيل من بعض القوى " الشيعية " الحاكمة الى ذلك الخيار المرّ وأصبحت قطر هي المرجعية المعنوية والمادية الأولى لكل " مقاوم " في العراق . لقد لعب بعض مستجدي السياسة المحسوبين على السنة في العراق اللعبة المزدوجة ما بين الدخول في العملية السياسية من جهة وإدعاء دعم فصائل " المقاومة المسلحة " من جهة ثانية , وكانت الأموال القطرية وغير القطرية تدخل الى حساباتهم البنكية دون تقديم أية مساعدات حتى لذوي ضحايا العمليات المسلحة , وأوهموا الداعمين بأنهم سيعيدوا كرامة السنة بعد دخولهم للسلطة عبر الانتخابات , لكنهم تخلوا عن الجميع ولم يتمكنوا من إيقاف نار الفتنة الطائفية التي اشتعلت عام 2006 وقبضوا ثمنها في مكاسب المال من الداعمين العرب والحصول على مكاسب السلطة , وتم اللعب على مطالب أهل المحافظات الغربية وخاصة الأنبار في اعتصامات عامي 2011 و2012 التي انطلقت بعفوية ثم تم تحويلها الى ميادين لأجندات " داعش" وأخواتها ,لكي تتم عمليات التصعيد العدائي ضد العرب السنة من بعض القوى " الشيعية " ومسؤولي الحكم .لقد أخطأت " الدوحة " كثيراً بحق العرب السنة في العراق حين تعاملت مع تجار سياسة ذوي ميول للتطرف والمصالح الذاتية على إنهم يمثلون هذا الطائفة , مثلما أخطأت بحق أهل سوريا حين حشرت مطاليبهم العادلة بوجه نظام ( بشار ) داخل أجندات متطرفة تمثلت بجبهة النصرة وداعش . لقد انتهت خمسة عشر من عمر العراقيين الباحثين عن حقوقهم في العيش والكرامة وكذلك سبع سنوات من انتفاضة الشعب السوري للحرية والعدالة , في ظل مشروع مشترك ( إيراني قطري تركي ) لدخول نادي " الكبار الجدد " على وقع التفاهمات المتوقعة لكل من موسكو وواشنطن. وقطر تحاول التخلي عن النمط القديم في وسائل الدعم واتجاهاته , ويبدو إن استمرار الخلافات بينها وبين عواصم الرياض وأبو ظبي والمنامة قد ساعد على اكتشاف النمط الجديد من التحالفات القطرية التركية الايرانية , والانتقال الى استخدام أنظمة الحكم في كل من بغداد ودمشق وبيروت لتجديد أساليب التعاطي مع القضية الطائفية والقومية في المنطقة . ففي داخل العراق يتشكل جيل جديد من الزعامات السنية بعد ان افتضحت وفشلت الانماط القديمة تحت شعار " مظلومية السنة " لكي يتعامل بايجابية مع الموازنات السياسية لمحيط العراق , فلم يعد داعم الإرهاب في العراق خصما للعملية السياسية , ولم تعد طهران عدوّة للعرب السنة , زعامات سنية جديدة مدعومة من قطر تشتغل في غرفة واحدة مع خصوم الأمس من الزعامات الشيعية الموالية لإيران. أنتجت تفاهمات قطر وايران إضافة الى رضى تركيا رئاسات البرلمان والجمهورية والوزارة .وهي لا تتوقف عند هذه الحدود الابتدائية , فلا بد من استثمار حالة التفاهمات الجديدة في ميادين التجارة والاقتصاد بما يخدم إيران أولا . ولعل زيارة نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري لبغداد تتجاوز الشكليات البروتوكولية للتهنئة بتولي المناصب , وإنما للإيحاء بأن عهداً جديداً في تواصل نقاط التماس " الدوحة – طهران –إنقرة ) قد بدأ في بغداد . ولعل المراقب يتوقف أمام شكلية لقاءات الضيف القطري خارج البروتوكول الرسمي , فتم اختيار (خميس الخنجر ) كممثل للعرب السنة في العهد القطري الجديد وكذلك كل من ( عمار الحكيم وهادي العامري ) من الشيعة لاعتبارات المكانة " للشيعة " في لقاءات الضيف القطري , وليس صدفة عدم اللقاء مع ( نوري المالكي ) رغم إنه أحد اعمدة السياسيين الشيعة , ويفسّر ذلك لما يحمله المالكي من مواقف عدائية معلنة ضد قطر , فقد سبق وعبر التلفزيون ان روى كيف إن قطر خططت مع الأمريكان لتهريب الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين من سجنه , وكانت هذه القصة حسب رواية المالكي سبباً في تسريع إعدامه صبيحة عيد الأضحى . ويبدو إنه ليس العرب السنة وإنما الشيعة والأكراد والتركمان سيخضعون مجدداً الى نمط جديد من المغالطات والكذب والتمويه ليبقى العراق خاضعاً لأجندات الآخرين التي ستكون اكثر قساوة من قبلها , ولتنتهي قصة تسويق " معاناة العرب السنة " لنفاذ صلاحيتها الى معاناة جميع العراقيين بعد أن تم تأهيل نمط جديد من السياسيين الأكثر حرفة في التجارة , لكنهم الأبعد عن معاناة الناس . كما إن من أهم المخاطر دخول العراق في المحور الجديد " قطر –إيران – تركيا " لمواجهة بلدان العرب الخليجية , فالعراق بلد منهك وجريح وبحاجة الى عون أصحاب المال العرب جميعاً وبلا أجندات خاصة سوى خدمة الشعب العراقي . العراقيون لا تخدعهم خطابات سياسة حسن الجوار والانفتاح على العرب عبر زيارات استعراضية لرئيس جديد يتقن فن العلاقات العامة ويعرف نفسه إنه بلا صلاحيات ولا يمتلك سوى اللغة الناعمة والابتسامة العريضة وهي لا تداوي الجرح العراقي الكبير, بل إن هذا الغطاء الديبلوماسي ستمرر من خلاله مشاريع ضارة بحق العراقيين وعلى الرئيس ( برهم صالح ) الاحتراز منها . فالزمن الذي كان فيه العراق يخيف الآخرين ويضعون له ألف حساب قد انتهى , وشعب العراق قابل بحجمه الحالي لكن إنسانه بحاجة الى الخبز والكرامة والصحة والتعليم , وألا يكون جزءاً من لعبة جديدة يدفع من خلالها ثمن دخول الصغار الى نادي الكبار .
تاريخ الإضافـة 13/11/2018 - 12:41